فصل: باب صفة الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ: [شروط وجوب الصلاة]

إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (طَاهِرٍ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ، وَبِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَبِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا. (وَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ) إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ (إلَّا الْمُرْتَدِّ) بِالْجَرِّ فَإِنَّهُ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ حَتَّى زَمَنِ الْجُنُونِ فِيهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ فِيهَا عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (وَلَا) قَضَاءَ عَلَى (الصَّبِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إذَا بَلَغَ (وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ«مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَالَ: وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جِدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ، وَضَرْبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ. (وَلَا) قَضَاءَ عَلَى شَخْصٍ (ذِي حَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ إذَا طَهُرَ (أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ) إذَا أَفَاقَ (بِخِلَافِ) ذِي (السُّكْرِ) إذَا أَفَاقَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ زَمَنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْكِرًا فَلَا قَضَاءَ. (وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ) أَيْ الْكُفْرُ وَالصِّبَا وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ (وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ) أَيْ قَدْرُهَا (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) لِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ الْإِتْمَامُ بِاقْتِدَائِهِ بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ (وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ) أَخَفُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ (وَالْأَظْهَرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ آخِرِ) وَقْتِ (الْعَصْرِ وَ) وُجُوبُ (الْمَغْرِبِ) بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ (آخِرِ) وَقْتِ (الْعِشَاءِ) لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى فِي جَوَازِ الْجَمْعِ فَكَذَا فِي الْوُجُوبِ. وَالثَّانِي لَا تَجِبُ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ بِمَا ذُكِرَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلظُّهْرِ فِي الْمُقِيمِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي الْمُسَافِرِ، وَثَلَاثٍ لِلْمَغْرِبِ، لِأَنَّ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُلْحَقَ، بِهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا تَمَّتْ الْأُولَى وَشَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ، وَلَا تَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِمَّا بَعْدَهَا لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ إدْرَاكُ زَمَنِ الطَّهَارَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ امْتِدَادُ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ زَمَنَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.
(وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا) بِالسِّنِّ (أَتَمَّهَا) وُجُوبًا (وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إتْمَامُهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَلَا تُجْزِئُهُ لِابْتِدَائِهَا فِي حَالِ النُّقْصَانِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) فِي الْوَقْتِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَيْضِ (فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي تَجِبُ لِوُقُوعِهَا حَالَ النُّقْصَانِ (وَلَوْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ (أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) وَاسْتَغْرَقَهُ مَا ذَكَرَ (وَجَبَتْ تِلْكَ) الصَّلَاةُ (إنْ أَدْرَكَ) مَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَا عَرَضَ (قَدْرَ الْفَرْضِ) أَخَفُّ مَا يُمْكِنُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ بِأَنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا، فَإِنْ لَمْ تُجْزِئْ طَهَارَتُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالْمُتَيَمِّمِ اُشْتُرِطَ إدْرَاكُ زَمَنِ الطَّهَارَةِ أَيْضًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ قَدْرَ الْفَرْضِ (فَلَا) تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا

. فَصْلُ: [أحكام الأذان]

الْأَذَانِ بِالْمُعْجَمَةِ (وَالْإِقَامَةِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِمَا (وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا قُوتِلُوا عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. (وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ) دُونَ النَّافِلَةِ (وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْكُسُوفِ وَيُقَاسُ بِهِ نَحْوُهُ، وَنَصْبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ. (وَالْجَدِيدُ نَدْبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) بِالصَّلَاةِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ بَلَدٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِينَ، وَكَذَا إنْ بَلَغَهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْآتِي، وَالْقَدِيمُ لَا يُنْدَبُ لَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُنْفَرِدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ كَالْوَجِيزِ وَالْجُمْهُورُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْخِلَافِ، وَأَفْصَحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحِ طَرِيقِهِمْ وَاكْتَفَى عَنْهَا هُنَا بِذِكْرِ الْجَدِيدِ كَالْمُحَرَّرِ. وَيَكْفِي فِي أَذَانِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ. (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ) نَدْبًا، رَوَى الْبُخَارِيُّ«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، أَيْ سَمِعْت مَا قُلْته لَك بِخِطَابٍ لِي كَمَا فَهِمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَأَوْرَدَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَرَفْعِ صَوْتِهِ بِهِ، وَقِيلَ: إنَّ ضَمِيرَ سَمِعْته لِقَوْلِهِ:«لَا يَسْمَعُ» إلَى آخِرِهِ فَقَطْ. (لَا بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ). قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَانْصَرَفُوا أَيْ فَلَا يَرْفَعُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَسْجِدِ سُنَّ لَهُمْ الْأَذَانُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يَرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتَ خَوْفَ اللَّبْسِ عَلَى السَّامِعِينَ وَتُسَنُّ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا.
(وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ) مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا (وَلَا يُؤَذِّنُ) لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمُ يُؤَذِّنُ لَهَا، أَيْ حَيْثُ تَفْعَلُ جَمَاعَةٌ لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ السَّابِقَ فِي الْمُؤَدَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ، يَجْرِي الْقَدِيمُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيَدُلُّ لِلْجَدِيدِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ، فَدَعَا بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا»؛ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْمُهَذَّبِ لِلْقَدِيمِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِيهِ:«فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ إلَى آخِرِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَفِيهِ زِيَادَةُ عِلْمٌ بِالْأَذَانِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ (قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ، ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ». (فَإِنْ كَانَتْ فَوَائِتَ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى) قَطْعًا، وَفِي الْأُولَى الْخِلَافُ.
(وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ) بِأَنْ تَأْتِيَ بِهَا إحْدَاهُنَّ (لَا الْآذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ) فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخَافُ مِنْ رَفْعِ الْمَرْأَةِ الصَّوْتَ بِهِ الْفِتْنَةُ وَالْإِقَامَةُ لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعُ الْأَذَانِ. وَالثَّانِي يُنْدَبَانِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِمَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَكِنْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا. وَالثَّالِثُ لَا يُنْدَبَانِ الْأَذَانُ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْإِقَامَةُ تَبَعٌ لَهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدَةِ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ.
(وَالْأَذَانُ مُثَنًّى وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ) فَإِنَّهُ مُثَنًّى لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ؛ إلَّا الْإِقَامَةَ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي النَّسَائِيّ، ثُمَّ الْمُرَادُ مُعْظَمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَإِنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ فِي آخِرِ الْأَذَانِ مُفْرَدَةٌ. وَالتَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ وَفِي الْإِقَامَةِ مُثَنًّى فَهُوَ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً. وَالْأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيحِ وَسَيَأْتِي (وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا وَتَرْتِيلُهُ) لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْحَاكِمِ، وَالْإِدْرَاجُ الْإِسْرَاعُ، وَالتَّرْتِيلُ التَّأَنِّي. (وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ) وَهُوَ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ قَوْلِهِمَا جَهْرًا لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ. وَالْمُرَادُ بِالسِّرِّ وَالْجَهْرِ خَفْضُ الصَّوْتِ وَرَفْعُهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (وَالتَّثْوِيبُ) بِالْمُثَلَّثَةِ (فِي الصُّبْحِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ: " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " مَرَّتَيْنِ لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ: وَسَوَاءٌ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَا بَعْدَهُ انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ ثَوَّبَ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُثَوِّبْ فِي الثَّانِي. وَاحْتَرَزَ بِالصُّبْحِ عَمَّا عَدَاهَا فَيُكْرَهُ فِيهِ التَّثْوِيبُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (لِلْقِبْلَةِ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا. وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِيمَا ذُكِرَ، وَيُسَنُّ الِالْتِفَاتُ فِيهِمَا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ يَمِينًا فِي الْأُولَى وَشِمَالًا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَقَدَمَيْهِ عَنْ مَكَانِهِمَا.
(وَيُشْتَرَطُ تَرْتِيبُهُ وَمُوَالَاتُهُ) لِأَنَّ تَرْكَهُمَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ. (وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ) بَيْنَ كَلِمَاتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْمُرَادُ مَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا، وَلَا يَضُرُّ الْيَسِيرُ جَزْمًا، وَفِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ الْيَسِيرِ تَرَدُّدٌ لِلْجُوَيْنِيِّ، وَيَبْنِي فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيهِ عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ كَلِمَةً مِنْهُ أَتَى بِهَا وَأَعَادَ مَا بَعْدَهَا.
(وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ) فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا. (وَالذُّكُورَةُ) فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلرِّجَالِ كَإِمَامَتِهِمَا لَهُمْ، وَسَبَقَ أَذَانُهُمَا لِنَفْسِهِمَا وَلِلنِّسَاءِ.
(وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ«لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ». (وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ) كَرَاهَةً لِغِلَظِ الْجَنَابَةِ (وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ) مِنْ الْأَذَانِ فِي الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَيُسَنُّ صَيِّتٌ) أَيْ عَلِيُّ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (حَسَنُ الصَّوْتِ) لِأَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الْإِجَابَةِ بِالْحُضُورِ (عَدْلٌ) لِأَنَّهُ بِخَيْرٍ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ (وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَذَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لِلْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا أَشَقُّ مِنْهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِهِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ نَفْعًا مِنْهَا وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (الْوَقْتُ) لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ (إلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) يَصِحُّ الْأَذَانُ لَهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: مِنْ سُبُعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، وَنِصْفِ سُبُعٍ فِي الصَّيْفِ تَقْرِيبًا لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُحَرَّرِ آخِرِ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: قَوْلُ الْمِنْهَاجِ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْضَحُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ آخِرِ اللَّيْلِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ«إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».
(وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) لِلصُّبْحِ (قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ) لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ أَذَّنَ لَهَا الْمَرَّتَيْنِ اسْتِحْبَابًا أَيْضًا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ.
(وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ (مِثْلُ قَوْلِهِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» (إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ) بَدَلَ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ:«وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَيْ سَامِعُهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِي ذَلِكَ وَيَأْتِي لِتَكْرِيرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ فِيهِ بِحَوْقَلَتَيْنِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَقُولُ بَدَلَ كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد. (قُلْت: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ فَيَقُولُ) أَيْ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كَلِمَتَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (صَدَقْت وَبَرَرْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا. (وَ) يُسَنُّ (لِكُلٍّ) مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وَيُقَاسُ الْمُؤَذِّنُ عَلَى السَّامِعِ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ) يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ:«مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَصَلَتْ. وَالْمُؤَذِّنُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ وَالدَّعْوَةُ الْأَذَانُ، وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ رَجَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ لَهُ، وَالْمَقَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَقَوْلُهُ:{الَّذِي وَعَدْته} بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، لَا نَعْتٌ.

. فَصْلُ: [في استقبال القبلة]

اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَيْ الْكَعْبَةِ (شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ) عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِدُونِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْهُ كَمَرِيضٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَيُعِيدُ، وَيُعْتَبَرُ الِاسْتِقْبَالُ بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الِالْتِفَاتَ بِهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ كَرَاهَتِهِ (إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ لِضَرُورَةٍ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْفَرْضُ وَالنَّفْلُ. (وَ) إلَّا فِي (نَفْلِ السَّفَرِ فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) أَيْ صَوْبَ مَقْصِدِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأُلْحِقَ الْمَاشِي بِالرَّاكِبِ وَسَوَاءٌ الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِلرَّاكِبِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمَاشِي لِنُدْرَتِهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْقَصْرِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّفْلَ يَتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ. وَيُشْتَرَطُ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنْ لَا يَكُونَ السَّفَرُ مَعْصِيَةً، وَأَنْ يُقْصَدَ بِهِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ، فَلَيْسَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَالْهَائِمِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ) فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ (وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّاكِبَ ذَلِكَ. (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا) يَجِبُ وَالسَّهْلُ بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ وَغَيْرُ السَّهْلِ أَنْ تَكُونَ مَقْطُورَةً وَصَعْبَةً وَالثَّانِي لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ السَّيْرَ وَالثَّالِثُ يَجِبُ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ.
(وَيَخْتَصُّ) وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ (بِالتَّحَرُّمِ، وَقِيلَ: يَغُطُّ فِي السَّلَامِ أَيْضًا) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَزْمًا. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ مَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وُجْهَةُ رِكَابِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ طَرِيقِهِ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِبْلَةِ (إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ. (وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودُهُ أَخْفَضُ) مِنْ رُكُوعِهِ أَيْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ بِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا، رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً إلَّا الْفَرَائِضَ، وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إحْرَامِهِ) أَيْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ بِاللِّبْسِ (وَلَا يَمْشِي) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَشْيُ (إلَّا فِي قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ) لِطُولِهِمَا وَالثَّانِي يَكْفِيهِ أَنْ يُومِئَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالرَّاكِبِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا وَيَلْزَمُهُ فِي الْإِحْرَامِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ، وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً لِاسْتِقْرَارِهِ فِي نَفْسِهِ (أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا) يَجُوزُ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا فِي نَفْسِهِ.
(وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهَا ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ) أَيْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ (جَازَ) أَيْ مَا صَلَّاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الشَّاخِصَ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا، وَقَدْ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ:«كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهِيَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ إلَى ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ.
(وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ) وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قَيْسٍ أَوْ سَطْحٍ وَشَكَّ فِيهَا الظُّلْمَةَ أَوْ غَيْرَهَا (حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِيهَا (وَالِاجْتِهَادُ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ فِيهَا لِسُهُولَةِ عِلْمِهَا فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: لَا يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِ غَيْرِهِ يَعُمُّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ، وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا جَبَلٌ أَوْ بِنَاءٌ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَهُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَكْلِيفِ الْمُعَايَنَةِ بِالصُّعُودِ أَوْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ مُقَدَّمًا عَلَى الِاجْتِهَادِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ (أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَمْ عَبْدًا ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْمُمَيِّزِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ وُجُودِهِ (فَإِنْ فُقِدَ وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ) بِأَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَيْهَا (حَرُمَ التَّقْلِيدُ) وَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ صَلَّى كَيْفَ كَانَ، وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ (وَإِنْ تَحَيَّرَ) الْمُجْتَهِدُ لِغَيْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ تَعَارُضِ أَدِلَّةٍ (لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ) لِجَوَازِ زَوَالِ التَّحَيُّرِ عَنْ قُرْبٍ (وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَيَقْضِي) وُجُوبًا. وَالثَّانِي يُقَلِّدُ وَلَا يَقْضِي. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: مَحَلُّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ قَبْلَ ضِيقِهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى مَقَالَةِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهَا: وَفِيهِ أَيْ التَّقْلِيدِ احْتِمَالٌ مِنْ التَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ.
(وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ) مِنْ الْخَمْسِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً (عَلَى الصَّحِيحِ) إذْ لَائِقَةٌ بِبَقَاءِ الظَّنِّ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الظَّنِّ، وَلَا يَجِبُ لِلنَّافِلَةِ جَزْمًا، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ كَمَا فِي طَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ حَتَّى إذَا فَارَقَهُ يَجِبُ التَّجْدِيدُ جَزْمًا. وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الطَّلَبَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْعَدَمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ أَكْثَرُهَا سَمَاوِيَّةٌ لَا تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهَا بِالْمَسَافَاتِ الْقَرِيبَةِ. نَعَمْ الْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرَ دَلِيلِ الِاجْتِهَادِ، فَالذَّاكِرُ دَلِيلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُهُ قَطْعًا كَمَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ وُقُوعِ الْحَادِثَةِ مَرَّةً أُخْرَى لِلْمُجْتَهِدِ الْمَقِيسَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِبْلَةِ إنَّهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّجْدِيدُ قَطْعًا.
(وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى) لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَهَا وَبَصِيرٍ لَهُ أَهْلِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا. (قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا) بِهَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْمُمَيِّزِ وَلَا يَقْضِي مَا يُصَلِّيهِ بِالتَّقْلِيدِ، وَيُعِيدُ فِيهِ السُّؤَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ. (وَإِنْ قَدَرَ) الشَّخْصُ عَلَى تَعَلُّمِهَا (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ) عَلَيْهِ (فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ) فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَأَعَادَ وُجُوبًا. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ التَّعَلُّمُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَلَا يَقْضِي مَا يُصَلِّيهِ بِهِ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ إنَّهُ إنْ أَرَادَ سَفَرًا فَفَرْضُ عَيْنٍ وَإِلَّا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ) فِي الْجِهَةِ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعُذْرِهِ بِالِاجْتِهَادِ. (فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا) بِنَاءً عَلَى الْقَضَاءِ، وَيَنْحَرِفُ عَلَى مُقَابِلِهِ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَيُتِمُّهَا.
(وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) فَظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ فِي جِهَةٍ غَيْرِ جِهَةِ الْأَوَّلِ (عَمِلَ بِالثَّانِي وَلَا قَضَاءَ) لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَمْ فِيهَا (حَتَّى لَوْ صَلَّى) صَلَاةً (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (فَلَا قَضَاءَ) لَهَا لِمَا ذُكِرَ وَيَنْدَرِجُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الْخَطَأُ فِي التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَعَادَهَا، أَوْ فِيهَا اسْتَأْنَفَهَا عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِمَا، وَإِنْ ظَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَوْ فِيهَا انْحَرَفَ وَأَتَمَّهَا.

. باب صفة الصلاة:

أَيْ كَيْفِيَّتِهَا، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى فُرُوضٍ تُسَمَّى أَرْكَانًا، وَعَلَى سُنَنٍ تَأْتِي مَعَهَا (أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَفِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ عُدَّ مِنْهَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي مَحَالِّهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ أَرْكَانًا وَجَعَلَهَا هُنَا كَالْجُزْءِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى. (النِّيَّةُ) وَهِيَ الْقَصْدُ (فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا هُوَ فَرْضٌ (وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ) بِأَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ (وَتَعْيِينُهُ) بِالرَّفْعِ مِنْ ظَهَرَ أَوْ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ) مَعَ مَا ذَكَرَ الصَّادِقُ بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ لِتَتَعَيَّنَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِي يَقُولُ هُوَ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِ الْإِعَادَةِ (دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: تَجِبُ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسِهِ) هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَدَاءِ نِيَّةُ الْأَدَاءِ، وَلَا فِي الْقَضَاءِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَمُرَادُهُمْ كَمَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الصِّحَّةُ لِمَنْ نَوَى جَاهِلَ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ بَقَاءَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ، أَمَّا الْعَالِمُ بِالْحَالِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ قَطْعًا لِتَلَاعُبِهِ، نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ (وَالنَّفْلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَتَعْيِينِهَا، كَصَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَرَاتِبَةِ الْعِشَاءِ، وَالْوَتْرِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ. (وَفِي) اشْتِرَاطِ (نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ) كَمَا فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ (قُلْت: الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ فِي الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ السَّابِقُ. (وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ (نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ) لِحُصُولِهِ بِهَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ، وَيُمْكِنُ مَجِيئُهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَجِيءُ الْخِلَافِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ) فَلَا يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَتِهِ، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِيهِ كَانَ قَصْدُ الظُّهْرِ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْعَصْرِ. (وَيُنْدَبُ النُّطْقُ) بِالْمَنْوِيِّ (قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ) لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ.
(الثَّانِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَيَتَعَيَّنُ) فِيهَا (عَلَى الْقَادِرِ اللَّهُ أَكْبَرُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِهِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَالَ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَلَا يَكْفِي: اللَّهُ الْكَبِيرُ، وَلَا الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ. (وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ كَاللَّهُ الْأَكْبَرُ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ (وَكَذَا اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي تَضُرُّ الزِّيَادَةُ فِيهِ لِاسْتِقْلَالِهَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى (لَا أَكْبَرُ اللَّهُ) أَيْ لَا يَكْفِي (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا، وَالثَّانِي يُمْنَعُ ذَلِكَ.
(وَمَنْ عَجَزَ) وَهُوَ نَاطِقٌ عَنْ التَّكْبِيرِ (تَرْجَمَ) عَنْهُ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ (وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِالسَّفَرِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَبَعْدَ التَّعَلُّمِ لَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّرْجَمَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِحُرْمَتِهِ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَخْرَسِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ.
(وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَعْنَى حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ أَنْ يُحَاذِيَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَرَاحَتَيْهِ مَنْكِبَيْهِ. وَذَالُ حَذْوَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ مُعْجَمَةٌ (وَالْأَصَحُّ) فِي وَقْتِ الرَّفْعِ (رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ) أَيْ التَّكْبِيرِ. وَالثَّانِي يُرْفَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ حَطِّ يَدَيْهِ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى التَّكْبِيرُ مَعَ الْحَطِّ أَمْ لَا وَقِيلَ يُسَنُّ انْتِهَاؤُهُمَا مَعًا. (وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ) يَعْنِي يَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِهِ وَاسْتِصْحَابُهَا إلَى آخِرِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. (وَقِيلَ يَكْفِي) قَرْنُهَا (بِأَوَّلِهِ) وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا إلَى آخِرِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ بَسْطُهَا عَلَيْهِ، وَيُتَصَوَّرُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِهِ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا يَنْوِي قُبَيْلَهُ.
(الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ) عَلَيْهِ فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: يَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ. (وَشَرْطُهُ نَصْبُ فَقَارِهِ) وَهُوَ عِظَامُ الظَّهْرِ (فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا) إلَى أَمَامِهِ أَوْ خَلْفِهِ (أَوْ مَائِلًا) إلَى الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ (بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ) قِيَامُهُ (فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَابًا وَصَارَ كَرَاكِعٍ) لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ) لِقُرْبِهِ مِنْ الِانْتِصَابِ (وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ) عَلَى الزِّيَادَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: يَقْعُدُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الرُّكُوعِ ارْتَفَعَ إلَيْهِ لِأَنَّ حَدَّهُ يُفَارِقُ حَدَّ الْقِيَامِ فَلَا يَتَأَدَّى الْقِيَامُ بِهِ. (وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ (قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ) فِي الِانْحِنَاءِ لَهُمَا بِالصُّلْبِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا. (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ) بِأَنْ يَلْحَقَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ زِيَادَةُ مَرَضٍ أَوْ خَوْفُ الْغَرَقِ أَوْ دَوَرَانُ الرَّأْسِ فِي السَّفِينَةِ (قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ قُعُودُ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ التَّرَبُّعِ، وَعَكْسُهُ وُجِّهَ بِأَنَّ الِافْتِرَاشَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ قُعُودِ التَّشَهُّدِ بِخِلَافِ التَّرَبُّعِ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي قُعُودِ النَّفْلِ (وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ) فِي هَذَا الْقُعُودِ وَسَائِرِ قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ (بِأَنْ يَجْلِسَ) الشَّخْصُ (عَلَى وَرِكَيْهِ) وَهُمَا أَصْلُ الْفَخِذَيْنِ (نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ) وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (ثُمَّ يَنْحَنِي) هَذَا الْمُصَلِّي قَاعِدًا (لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ) وَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ (وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ) وَرُكُوعُ الْقَاعِدِ فِي النَّفْلِ كَذَلِكَ، وَهُمَا عَلَى وِزَانِ رُكُوعِ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ، وَسَيَأْتِي. (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُصَلِّي (عَنْ الْقُعُودِ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) اسْتِحْبَابًا وَيَجُوزُ عَلَى الْأَيْسَرِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْجَنْبِ (فَمُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَكَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» زَادَ النَّسَائِيّ«فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» ثُمَّ إذَا صَلَّى عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ، وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَتَى بِهَا وَإِلَّا أَوْمَأَ بِهِمَا مُنْحَنِيًا، وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَلِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (التَّنَفُّلُ قَاعِدًا وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ«مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعُ وَالْيَمِينُ أَفْضَلُ مِنْ الْيَسَارِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيَقْعُدُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقُولُ لِمَنْ يَقِيسُ الِاضْطِجَاعَ عَلَى الْقُعُودِ: الِاضْطِجَاعُ يَمْحُو صُورَةَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقُعُودِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ.
(الرَّابِعُ الْقِرَاءَةُ) أَيْ لِلْفَاتِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ (دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ) نَحْوُ«وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ مُسْلِمًا فَابْنُ حِبَّانَ (ثُمَّ التَّعَوُّذُ) لِلْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَيُسِرُّهُمَا) أَيْ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُسْتَحَبُّ فِي الْجَهْرِيَّةِ الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ (وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ فِيهِ قِرَاءَةً (وَالْأُولَى آكَدُ) مِمَّا بَعْدَهَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي: يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ. (وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ كُلَّ رَكْعَةٍ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» أَيْ كُلَّ رَكْعَةٍ لِمَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ«ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. (وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَمَلًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهَا آيَةً سَنَّهَا. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهَا مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ الظَّنُّ (وَتَشْدِيدَاتُهَا) مِنْهَا لِأَنَّهَا هُيِّئَتْ لِحُرُوفِهَا الْمُشَدَّدَةِ وَوُجُوبُهَا شَامِلٌ لِهَيْئَتِهَا. (وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا) مِنْهَا أَيْ أَتَى بَدَلَهَا (بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ) قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ. وَالثَّانِي تَصِحُّ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ. وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ (وَمُوَالَاتُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَجْزَائِهَا عَلَى الْوَلَاءِ (فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ) كَتَسْبِيحٍ لِدَاخِلٍ (قَطَعَ الْمُوَالَاةَ) وَإِنْ قَلَّ (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ) إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا (فَلَا) يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ (فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ فَيَقْطَعُهَا (وَيَقْطَعُ السُّكُوتَ) الْعَمْدَ (الطَّوِيلَ) لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِرَاءَةِ. (وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي: لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ قَصْدَ الْقَطْعِ لَا يُؤَثِّرُ وَحْدَهُ، وَالسُّكُوتُ الْيَسِيرُ لَا يُؤَثِّرُ وَحْدَهُ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ. (فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ) أَيْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِطَرِيقٍ، أَيْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُعَلِّمِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ) يَأْتِي بِهَا بَدَلَ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ بِالْبَسْمَلَةِ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْمُتَوَالِيَةِ فَمُتَفَرِّقَةٌ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُرْآنِ (أَتَى بِذِكْرٍ) غَيْرِهِ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَجِبُ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الذِّكْرِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. (وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ) مِنْ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ (عَنْ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ) وَحُرُوفُهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِقِرَاءَةِ مَالِكٍ بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي يَجُوزُ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ أَقَلُّ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ، كَمَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمٍ قَصِيرٍ قَضَاءً عَنْ يَوْمٍ طَوِيلٍ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَخْتَلِفُ زَمَانُهُ طُولًا وَقِصَرًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي قَضَائِهِ مُسَاوَاةً، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ لَا تَخْتَلِفُ فَاعْتُبِرَ فِي بَدَلِهَا الْمُسَاوَاةُ. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا) مِنْ قُرْآنٍ وَلَا ذِكْرٍ (وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ) فِي (ظَنِّهِ) وَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهَا بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ لِفَوَاتِ الْإِعْجَازِ فِيهَا دُونَهُ.
(وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) لِقَارِئِهَا (آمِينَ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (خَفِيفَةُ الْمِيمِ بِالْمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ) وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ. (وَيُؤَمِّنُ) الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ (مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّنَ عَقِبَ تَأْمِينِهِ (وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ) تَبَعًا لَهُ. وَالثَّانِي يُسِرُّهُ كَالتَّكْبِيرِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَجْهَرُ بِهِ أَيْضًا.
(وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشِّقَّيْنِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ دَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالِاتِّبَاعَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي أَقْصَرُ كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ سَنُّ تَطْوِيلِ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ تَقْدِيمٌ لِدَلِيلِهِ النَّافِي عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي الْمُثْبِتِ عَكْسُ الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالْعِبَارَةُ تَصْدُقُ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ بِالْمَأْمُومِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. (قُلْت: فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ (قَرَأَهَا فِيهِمَا) حِينَ تَدَارَكَهُمَا (عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ السُّورَةِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: عَلَى الثَّانِي فَقَطْ. (وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ) فِي الْجَهْرِيَّةِ لِلنَّهْيِ عَنْ قِرَاءَتِهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (بَلْ يَسْتَمِعُ) لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (فَإِنْ بَعُدَ) فَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ (أَوْ كَانَتْ) الصَّلَاةُ (سِرِّيَّةً قَرَأَ) السُّورَةَ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْفَجْرِ.
(وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ) لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ الْحُجُرَاتُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الدَّقَائِقِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَطِوَالُهُ إلَى عَمَّ، وَمِنْهَا إلَى الضُّحَى أَوْسَاطُهُ، وَمِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ (وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى) بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ لِلسُّورَةِ فِيمَا سَبَقَ، وَيَتَأَدَّى أَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَكِنَّ السُّورَةَ أَحَبُّ، حَتَّى أَنَّ السُّورَةَ الْقَصِيرَةَ أَوْلَى مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ أَيْ وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَوْلَى مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ.
(الْخَامِسُ الرُّكُوعُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ انْحِنَاءٌ (وَأَقَلُّهُ) لِلْقَائِمِ (أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ) إذَا أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا وَهُوَ مُعْتَدِلُ الْخِلْقَةِ سَالِمُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ التَّمَاسُّ مِنْ وَضْعِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ بِالِانْحِنَاءِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الِانْحِنَاءِ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّاحَةُ مَا عَدَا الْأَصَابِعَ مِنْ الْكَفِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي السُّجُودِ وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ (بِطُمَأْنِينَةٍ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هَوِيِّهِ) بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ«ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ) أَيْ بِالْهَوِيِّ غَيْرَ الرُّكُوعِ (فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ) عِنْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرُّكُوعِ (رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ) عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعَ (وَأَكْمَلُهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ) كَالصَّفِيحَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَنَصْبُ سَاقَيْهِ) لِأَنَّهُ أَعْوَنُ (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي الثَّانِي ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ (لِلْقِبْلَةِ) أَيْ لِجِهَتِهَا لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ. (وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوِيِّهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ) أَيْ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي التَّكْبِيرِ وَالرَّفْعِ الشَّيْخَانِ وَفِي التَّسْبِيحِ مُسْلِمٌ، وَفِي تَثْلِيثِهِ أَبُو دَاوُد. (وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ) عَلَى التَّسْبِيحَاتِ الثَّلَاثِ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ:«اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي») لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَى«عَصَبِي» وَابْنُ حِبَّانَ إلَخْ جَعَلَ لِطُولِهِ زِيَادَةً لِلْمُنْفَرِدِ وَأُلْحِقَ بِهِ إمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ.
(السَّادِسُ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا) لِحَدِيثِ«ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُصَلِّي قَاعِدًا يَعُودُ بَعْدَ الرُّكُوعِ إلَى الْقُعُودِ (مُطْمَئِنًّا) لِمَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ«فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ فَأَقِمْ صُلْبَك حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إلَى مَفَاصِلِهَا». (وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا) أَيْ خَوْفًا (مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ) رَفْعُهُ لِذَلِكَ عَنْ رَفْعِ الصَّلَاةِ.
(وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ«رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ») لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَى لَك الْحَمْدُ وَمُسْلِمٌ إلَى آخِرِهِ، جَعَلَ عَجْزَهُ لِطُولِهِ زِيَادَةً لِلْمُنْفَرِدِ، وَأَلْحَقَ بِهِ إمَامَ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُسِرُّ بِمَا بَعْدَهُ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْجَمِيعِ. وَالْمُبَلِّغُ كَالْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمَعْنَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ تَقَبَّلَهُ مِنْهُ. وَمِلْءَ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ وَبِالنَّصْبِ أَيْ مَالِئًا، بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا. وَقَوْلُهُ: مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَيْ كَالْكُرْسِيِّ{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} وَأَهْلَ بِالنَّصْبِ مُنَادَى، وَالثَّنَاءُ الْمَدْحُ، وَالْمَجْدُ الْعَظَمَةُ، وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ، وَلَا مَانِعَ إلَخْ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَالْجَدُّ الْغِنَى، وَمِنْك بِمَعْنَى عِنْدَك؛ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ.
(وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت " إلَخْ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَتِمَّتُهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ: " وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت " لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي» إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ " رَبَّنَا " وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي وَتْرِ اللَّيْلِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَزَادَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَبْلَ«تَبَارَكْت»«وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (وَالْإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَحُمِلَ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ) رَوَاهَا النَّسَائِيّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مَعَ زِيَادَةِ فَاءٍ فِي أَنَّك وَوَاوٍ فِي إنَّهُ بِلَفْظِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ فَأُلْحِقَ بِهِ قُنُوتُ الصُّبْحِ وَالثَّانِي يَقُولُ لَمْ تَرِدْ فِي قُنُوتِهِ. (وَ) الصَّحِيحُ سَنُّ (رَفْعِ يَدَيْهِ) فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَاكِمِ، وَالثَّانِي قَاسَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ. كَمَا قِيسَ الرَّفْعُ فِيهِ عَلَى رَفْعِ النَّبِيِّ يَدَيْهِ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ يَدْعُو عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَهُ الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. (وَ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ (لَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ) أَيْ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَالثَّانِي يُدْخِلُهُ فِي حَدِيثِ«سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ» لَكِنْ. قَالَ أَبُو دَاوُد: رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا فَلَا يَمْسَحُ جَزْمًا، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ظَاهِرِ حَدِيثِ الْحَاكِمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالثَّانِي لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ بِهِ جَزْمًا. (وَ) الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِهِ (أَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ) وَأَوَّلُهُ أَنَّك تَقْضِي، وَالثَّانِي يُؤَمِّنُ فِيهِ أَيْضًا وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ، فَيُؤَمِّنُ فِيهَا، هَذَا إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) لِبُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَنَتَ) كَمَا يَقْنُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ.
(وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ) أَوْ يُسْتَحَبُّ (فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ بَاقِيهَا (لِلنَّازِلَةِ) كَالْوَبَاءِ وَالْقَحْطِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْعَدُوِّ لِأَنَّهُ«صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُقَاسُ غَيْرُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ (لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ) لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي النَّازِلَةِ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَمَحَلُّهُ اعْتِدَالُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ.
(السَّابِعُ: السُّجُودُ وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَعِصَابَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لِجِرَاحَةٍ أَجْزَأَ السُّجُودُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُرَادُ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي إزَالَةِ الْعِصَابَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: وَشَقَّ إزَالَتُهَا (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ (جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ جَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ، وَيَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ) فِي السُّجُودِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَضْعُهَا لَوَجَبَ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَضْعِهَا وَالْإِيمَاءِ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا (قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ«أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» وَالْأَوَّلُ يَقُولُ الْأَمْرُ فِيهِ أَمْرُ نَدْبٍ فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ، وَيَكْفِي عَلَى الْوُجُوبِ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْيَدِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الرِّجْلِ بِبُطُونِ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِهَا بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَنْبَطِحُ عَلَيْهِ عِنْدَ السُّجُودِ وَيَرْفَعُهَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا (وَيَنَالَ مَسْجَدُهُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ بِضَبْطِ الْمُصَنَّفِ أَيْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ (ثِقَلَ رَأْسِهِ) فَإِنْ سَجَدَ عَلَى قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَجَبَ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْكَبِسَ وَيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ (وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَهْوِيَ لَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ) أَيْ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ (وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ) لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي السُّقُوطِ وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ نَوَى الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا لَمْ يُحْسَبْ عَنْ السُّجُودِ وَإِلَّا حُسِبَ.
(وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ يَرْفَعَ أَسَافِلَهُ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْجَبْهَةِ مُرْتَفِعًا قَلِيلًا. وَالثَّانِي يَجُوزُ تَسَاوِي الْأَسَافِلِ وَالْأَعَالِي، فَلَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِ الْأَسَافِلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَمَهْمَا كَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا فَالْأَسَافِلُ أَعْلَى، وَلَوْ كَانَتْ الْأَعَالِي أَعْلَى مِنْ الْأَسَافِلِ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ كَثِيرًا لَمْ يُجْزِئْهُ جَزْمًا لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ، كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ إلَّا مَمْدُودَ الرِّجْلَيْنِ أَجْزَأَهُ، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ لِهَوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ (وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) أَيْ كَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي التَّكْبِيرِ الشَّيْخَانِ، وَفِي عَدَمِ الرَّفْعِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي الْبَاقِي الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، (ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ضَمِّ الْأَنْفِ إلَى الْجَبْهَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ تَثْلِيثٍ مُسْلِمٌ وَبِهِ أَبُو دَاوُد. (وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ) عَلَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ جَعَلَ لِطُولِهِ زِيَادَةً لِلْمُنْفَرِدِ وَأَلْحَقَ بِهِ إمَامَ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ. (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) فِي سُجُودِهِ (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي النَّشْرِ وَالضَّمِّ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْبَاقِي الْبَيْهَقِيُّ (وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الثَّلَاثَةِ فِي السُّجُودِ وَفِي الثَّالِثِ فِي الرُّكُوعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ فِي السُّجُودِ أَبُو دَاوُد، وَفِي الثَّالِثِ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَفِي الثَّالِثِ فِي الرُّكُوعِ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُقَاسُ الْأَوَّلَانِ فِيهِ الْمَزِيدَانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوَّلَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ بِشِبْرٍ وَيُقَاسُ بِهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ.
(وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى) بَعْضَهُمَا إلَى بَعْضٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَحْوَطُ لَهُ، وَضَمُّ الْخُنْثَى الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي السُّجُودِ أَيْضًا، وَفِيهِ هُنَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَضُمُّ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ.
(الثَّامِنُ الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ:«ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» (وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ) فَلَوْ رَفَعَ لِلَدْغَةِ عَقْرَبٍ أَوْ دُخُولِ شَوْكَةٍ فِي جَبِينِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلسُّجُودِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ (وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ) لِأَنَّهُمَا لِلْفَصْلِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَطْوِيلِهِمَا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ) مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ. (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ الشَّيْخَانِ، وَفِي الثَّانِي التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي مَعْنَى الِافْتِرَاشِ. (وَاضِعًا يَدَيْهِ) عَلَى فَخِذَيْهِ (قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ) مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ أَخْذًا مِنْ الرَّوْضَةِ (قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى بَعْضَهُ أَبُو دَاوُد وَبَاقِيَهُ ابْنُ مَاجَهْ. (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. (وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ) لِلِاسْتِرَاحَةِ (بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا) بِأَنْ لَا يَعْقُبَهَا تَشَهُّدٌ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ«رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وَتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا»، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ:وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ عَلَى تَبْيِينِ الْجَوَازِ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ, ثُمَّ السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ الِافْتِرَاشُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(التَّاسِعُ، وَالْعَاشِرُ، وَالْحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا) مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَامٌ رُكْنَانِ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ) أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ سَلَّمَ؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَالتَّشَهُّدُ مِنْهُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَخْ» وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَحَلُّهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ (وَكَيْفَ قَعَدَ) فِي التَّشَهُّدَيْنِ (جَازَ وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ (وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ) مِنْهَا (لِلْقِبْلَةِ وَفِي الْآخِرِ التَّوَرُّكُ وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ) لِلْإِتْبَاعِ فِيهِمَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِي الْأَوَّلِ لِلْقِيَامِ بِخِلَافِهِ فِي الْآخِرِ، وَالْقِيَامُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ (وَالْأَصَحُّ يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ) فِي التَّشَهُّدِ الْآخِرِ لِإِمَامِهِ لِاسْتِيفَازِهِ لِلْقِيَامِ. (وَالسَّاهِي) فِي تَشَهُّدِهِ الْآخِرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ، وَالثَّانِي يَتَوَرَّكَانِ الْأَوَّلُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ وَالثَّانِي نَظَرًا إلَى أَنَّهُ قُعُودٌ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَالثَّالِثُ فِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جُلُوسُهُ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ افْتَرَشَ وَإِلَّا تَوَرَّكَ لِلْمُتَابَعَةِ. (وَيَضَعُ فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّشَهُّدَيْنِ (يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى مَنْشُورَةَ الْأَصَابِعِ) لِلْإِتْبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (بِلَا ضَمٍّ) بِأَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَهَا تَفْرِيجًا مُقْتَصِدًا (قُلْت: الْأَصَحُّ الضَّمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِيَتَوَجَّهَ جَمِيعُهَا إلَى الْقِبْلَةِ (وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ) وَيَضَعُهَا عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى (الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَثَالِثِهِمَا (وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي يُحَلِّقُ بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى لِلْإِتْبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَالْأَصَحُّ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْلِيقِ أَنْ يُحَلِّقَ بِرَأْسَيْهِمَا، وَالثَّانِي يَضَعُ رَأْسَ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ (وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ (وَيَرْفَعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا اللَّهُ) لِلْإِتْبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يُحَرِّكُهَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقِيلَ يُحَرِّكُهَا لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ ا ه. وَتَقْدِيمُ الْأَوَّلِ النَّافِي عَلَى الثَّانِي الْمُثْبِتِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ (وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا كَعَاقِدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ) لِلِاتِّبَاعِ، وَالثَّانِي يَضَعُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى الْمَقْبُوضَةِ كَعَاقِدِ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الْآخِرِ وَفِي مَعْنَاهُ تَشَهُّدُ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاجِبَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}) وَأُولَى أَحْوَالِ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ وَالْمُنَاسِبُ لَهَا مِنْهَا التَّشَهُّدُ آخِرَهَا، فَتَجِبُ فِيهِ أَيْ مَعَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَمَعِيَّةُ لَفْظٍ لِآخَرَ مِنْ مُتَكَلِّمٍ بِمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ وُجُوبِ تَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ. (وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِتْيَانُ بِهَا فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْآخِرِ، وَتَكُونُ فِيهِ سُنَّةً لِكَوْنِهِ سُنَّةً، وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ فِيهِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ. (وَلَا تُسَنُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ: تُسَنُّ فِيهِ، وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْآخِرِ فَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ تُسَنَّ فِي الْأَوَّلِ جَزْمًا (وَتُسَنُّ فِي الْآخِرِ وَقِيلَ تَجِبُ) فِيهِ لِحَدِيثِ«أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلَخْ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا صَدْرَهُ فَمُسْلِمٌ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الْآلِ الْمَزِيدَةُ فِي الْجَوَابِ مَطْلُوبَةٌ قَالَ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ كَالْجَوَابِ، وَقَالَ الْأَوَّلُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ كَاَلَّذِي بَعْدَهَا وَهُوَ أَظْهَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَمَشَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى تَرْجِيحِهِ، وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ وَجْهَانِ، وَلَوْ صَلَّى فِي الْأَوَّلِ عَلَى النَّبِيِّ وَلَمْ نَسُنَّهَا فِيهِ أَوْ صَلَّى فِيهِ عَلَى الْآلِ وَلَمْ نَسُنَّهَا فِيهِ مَعَ قَوْلِنَا بِوُجُوبِهَا فِي الثَّانِي، فَقَدْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا مِنْ مَحَلِّهِ إلَى غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فِي وَجْهٍ يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَآلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ. (وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ) وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ:«التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَقَلُّهُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) إذْ مَا بَعْدَ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ تَوَابِعُ لَهُ وَقَدْ سَقَطَ أُولَاهَا فِي حَدِيثِ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَاءَ فِي حَدِيثِهِ سَلَامٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّنْوِينِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقِيلَ يُحْذَفُ وَبَرَكَاتُهُ) لِلْغِنَى عَنْهُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ (وَ) قِيلَ يُحْذَفُ (الصَّالِحِينَ) لِلْغِنَى عَنْهُ بِإِضَافَةِ الْعِبَادِ إلَى اللَّهِ لِانْصِرَافِهِ إلَى الصَّالِحِينَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (وَ) قِيلَ: (يَقُولُ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ) بَدَلَ وَأَشْهَدُ إلَخْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ.
(قُلْت: الْأَصَحُّ) يَقُولُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لَكِنْ بِلَفْظِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَالْمُرَادُ إسْقَاطُ لَفْظِ أَشْهَدُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إلَخْ حِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ نُظِرَ إنْ غَيَّرَ تَغْيِيرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ يُحْسَبْ مَا جَاءَ بِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْمَعْنَى أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَالتَّحِيَّةُ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ أَيْ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ وَالْقَصْدُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ وَالْمُبَارَكَاتُ النَّامِيَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ الصَّالِحَاتُ. (وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ فِي التَّشَهُّدَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ وَآلِهِ أَنْ يُقَالَ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ.
(وَالزِّيَادَةُ إلَى حَمِيدٍ مَجِيدٍ) الْوَارِدَةُ فِيهِ وَهِيَ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (سُنَّةٌ فِي) التَّشَهُّدِ (الْآخِرِ) بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَلَا تُسَنُّ فِيهِ، كَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِيمَا قَالَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ أَكْمَلُ الصَّلَاةِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَيَانِ الْأَكْمَلِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَفِي بَعْضِهَا أَيْضًا بَعْدَ آلِ إبْرَاهِيمَ الثَّانِي فِي الْعَالَمِينَ وَآلُ إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا.
(وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ بِدِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ لِحَدِيثِ«إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ:«ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ» أَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَلَا يُسَنُّ بَعْدَهُ الدُّعَاءُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمَأْثُورُهُ) عَنْ النَّبِيِّ (أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمِنْهُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت إلَخْ أَيْ وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَسْرَفْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ» لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ) الدُّعَاءُ (عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا، فَإِنْ زَادَ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَيُكْرَهُ لَهُ التَّطْوِيلُ. ا ه.
(وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَاطِقٌ وَالْكَلَامُ فِي الْوَاجِبَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي. (تَرْجَمَ) عَنْهُمَا وَتَقَدَّمَ فِي تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْهُ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالسَّفَرِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْجَمَتُهُمَا (وَيُتَرْجِمُ بِالدُّعَاءِ) الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَسْنُونٌ (وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ) كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ. (الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا لِعُذْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَلَوْ تَرْجَمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالثَّانِي يُتَرْجِمَانِ أَيْ يَجُوزُ لَهُمَا التَّرْجَمَةُ لِقِيَامِ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَقَامَهَا فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى، وَالثَّالِثُ لَا يُتَرْجِمَانِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْمَنْدُوبِ حَتَّى يُتَرْجِمَ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُرَادُ الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ الْمَأْثُورَانِ، فَلَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ أَوْ ذِكْرٍ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ قَطْعًا، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ تَصْرِيحًا فِي الْأُولَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِشْعَارًا فِي الثَّانِيَةِ
(الثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ فَيَكُونُ صُورَةً ثَانِيَةً لِلْأَقَلِّ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ) مِنْ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي تَجِبُ مَعَ السَّلَامِ لِيَكُونَ الْخُرُوجُ كَالدُّخُولِ بِنِيَّةٍ لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الصَّلَاةِ (وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا مُلْتَفِتًا فِي الْأُولَى حَتَّى يَرَى خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَيْسَرَ) لِلْإِتْبَاعِ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، وَيَبْتَدِئُ السَّلَامَ فِي الْمَرَّتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُنْهِيهِ مَعَ تَمَامِ الِالْتِفَاتِ. (نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ) مُؤْمِنِينَ أَيْ يَنْوِيهِ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ عَلَى الْيَمِينِ وَبِمَرَّةِ الْيَسَارِ عَلَى مَنْ عَلَى الْيَسَارِ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِيهِ بِالْمَرَّتَيْنِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِ (وَيَنْوِي الْإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ) هَذَا يَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِالْمُقْتَدِينَ خَلْفَهُ وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا أَصْلِهَا وَيَلْحَقُ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَأْمُومُ (وَهُمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ) فَيَنْوِيهِ مِنْهُمْ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى وَمَنْ خَلْفَهُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَبِالْأُولَى أَفْضَلُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ الرَّدَّ عَلَى بَعْضٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَحَدِيثُ سَمُرَةَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْوِيَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْضًا إنْ لَمْ نُوجِبْهَا.
(الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ) السَّابِقَةِ (كَمَا ذَكَرْنَا) فِي عَدِّهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى وُجُوبِ قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقِيَامُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ قُعُودَ التَّشَهُّدِ مُقَارِنٌ لَهُ، فَالتَّرْتِيبُ الْمُرَادُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ صَحِيحٌ، وَبِمَعْنَى الْإِجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ. (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ التَّرْتِيبَ (عَمْدًا) بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ (بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِتَلَاعُبِهِ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْقَوْلِيِّ كَأَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ التَّشَهُّد فَيُعِيدُهَا بَعْدَهُ.
(وَإِنْ سَهَا) فِي التَّرْتِيبِ بِتَرْكِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ (فَمَا) فَعَلَهُ (بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ) لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (فَإِنْ تَذَكَّرَ) الْمَتْرُوكَ (قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ. فَعَلَهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى فَعَلَ مِثْلَهُ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى (تَمَّتْ بِهِ) أَيْ بِمِثْلِهِ الْمَفْعُولِ (رَكْعَتُهُ) الْمَتْرُوكُ آخِرُهَا لِوُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ (وَتَدَارَكَ الْبَاقِي) مِنْ الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِهَا لِلسَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. (فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ) الرَّكْعَةِ (الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ) لِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ) لِأَنَّ النَّاقِصَةَ كَمُلَتْ بِسَجْدَةٍ مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَغَا بَاقِيهَا. (وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَيْ فِي أَيَّتِهِمَا الْمَتْرُوكُ مِنْهَا السَّجْدَةُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الصُّورَتَيْنِ. (وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ) مِنْ الْأُولَى (فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ) الَّتِي فَعَلَهَا (سَجَدَ) مِنْ قِيَامِهِ اكْتِفَاءً بِجُلُوسِهِ، سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الِاسْتِرَاحَةَ أَمْ لَا. (وَقِيلَ إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ) لِقَصْدِهِ سُنَّةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ (فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ، وَقِيلَ يَسْجُدْ فَقَطْ) اكْتِفَاءً بِالْقِيَامِ عَنْ الْجُلُوسِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ الْفَصْلُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِيَامِ، وَيَسْجُدُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلسَّهْوِ. (وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا) أَيْ الْخَمْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ، وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَرْكُ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ فَيَنْجَبِرَانِ بِالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَا ذُكِرَ وَتَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى (أَوْ أَرْبَعٍ) جَهِلَ مَوْضِعَهَا (فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَتَلْغُو الْأُولَى وَتَكْمُلُ الثَّانِيَةُ بِالثَّالِثَةِ: (أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ) جَهِلَ مَوْضِعَهَا. (فَثَلَاثٌ) أَيْ فَيَجِبُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي الْخَمْسِ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ فَتَكْمُلُ بِالرَّابِعَةِ، وَأَنَّهُ فِي السِّتِّ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ. (أَوْ سَبْعٌ) جَهِلَ مَوْضِعَهَا (فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَيُتَصَوَّرُ بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ سُجُودٍ عَلَى عِمَامَةٍ وَفِي الصُّوَرِ السَّبْعِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (قُلْت: يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ (وَقِيلَ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِفِعْلِ الْيَهُودِ لَهُ (وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا) إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ.
(وَ) يُسَنُّ (الْخُشُوعُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ) أَيْ تَأَمُّلُهَا قَالَ تَعَالَى{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (وَالذِّكْرِ) قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ (وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ) لِلذَّمِّ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (وَفَرَاغِ قَلْبٍ) مِنْ الشَّوَاغِلِ لِأَنَّهَا تُشَوِّشُ الصَّلَاةَ (وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ) مُخَيَّرًا بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمَفْصِلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا فِي صَوْبِ السَّاعِدِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى صَدْرِهِ أَيْ آخِرِهِ فَيَكُونُ آخِرُ إلَيْهِ تَحْتَهُ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ وَالسِّينُ فِي الرُّسْغِ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ (وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءِ أَيْ فِي سُجُودِكُمْ». (وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ بَطْنِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ. (وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْإِتْبَاعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي الصُّبْحِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُقَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا يُسَنُّ تَطْوِيلُهَا لِلْإِتْبَاعِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا وَفِي تَطْوِيلِ الثَّالِثَةِ عَلَى الرَّابِعَةِ إذْ قُلْنَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِيهِمَا الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى تَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِي لَا بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِلْإِتْبَاعِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا الْعِشَاءُ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ وَتَقْدِيمَ الْقِيَاسِ فِيهِ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ دَلِيلَ أَصْلِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ النَّافِي لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثِ إثْبَاتِهَا الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُسَنُّ بَعْدَ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ أَيْضًا. (وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ) تَكْثِيرًا لِمَوَاضِعِ السُّجُودِ فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ. قَالَ الْبَغَوِيُّ (وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ«صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ».
(وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ) لِلْإِتْبَاعِ فِي مُكْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّجَالِ مَعَهُ لذلك، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ) أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ (وَإِلَّا فَيَمِينُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَنْصَرِفُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ لِأَنَّهَا مَحْبُوبَةٌ.
(وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ) التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى (فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ) وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ) هُوَ (ثِنْتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الثَّانِيَةِ.